الملك الزاهد - كوكب القصص

إذا سئمت الحياة على كوكب الأرض فعش على كوكب القصص أياما


كان في زمن بني إسرائيل رجل من العباد الموصوفين بالزهد، وكان قد سخر الله له سحابة تسير معه حيث يسير، فاعتراه فتور في بعض الأيام، فأزال الله عنه سحابته وحجب إجابته، فكثر لذلك حزنه وشجونه، وطال كمده وأنينه، وما زال يشتاق إلى زمن الكرامة ويبكي ويتأسف ويتحسر ويتلهف، فقام ليلة من الليالي، فصلى ما شاء الله وبكى وتضرّع  ودعا الله تعالى ونام.
فقيل له في المنام: إذا أردت أن يرد الله تعالى عليك سحابتك، فائت الملك الفلاني في بلد كذا واسأله أن يدعو الله لك أن يرد عليك سحابتك، قال: فسار الرجل يقطع الأرض حتى وصل إلى تلك البلد التي ذكرت له في المنام، فدخلها وسأل من يرشده إلى قصر الملك، فجاء إلى القصر وإذا عند بابه غلام جالس على كرسي عظيم من الذهب الأحمر مرصع بالدر والجوهر والناس بين يديه يسألونه حوائجهم، وهو يصرف الناس، فوقف الرجل الصالح بين يديه وسلم عليه، فقال له الغلام: من أين أنت، وما حاجتك؟ فقال من بلاد بعيدة، وقصدي الاجتماع بالملك، فقال له الغلام: لا سبيل لك اليوم، فسل حاجتك أقضها لك إن استطعت، فقال: إن حاجتي لا يقضيها إلا الملك، فقال الغلام: إن الملك ليس له إلا يوم واحد في الجمعة يجتمع إليه الناس فيه، فاذهب حتى يأتي ذلك، فانصرف الرجل إلى مسجد داثر ، وأقام يعبد الله تعالى فيه، وأنكر على الملك لاحتجابه عن الناس، فلما كان ذلك اليوم الذي يجلس فيه الملك جاء إلى القصر، فوجد خلقا كثيرا عند الباب ينتظرون الإذن، فوقف مع جملة الناس.
فلما خرج الوزير أذن للناس في الدخول، فدخل أرباب الحوائج، ودخل صاحب السحابة معهم، وإذا بالملك جالس وبين يديه أرباب دولته على قدر مراتبهم، فجعل رأس النوبة يقدم الناس واحدا بعد واحد حتى وصلت النوبة لصاحب السحابة، فلما نظر إليه الملك قال: مرحبا بصاحب السحابة، اجلس حتى أفرغ من حوائج الناس، وأنظر في أمرك. قال: فتحير صاحب السحابة في أمره، فلما فرغ الملك من حوائج الناس قام من مجلسه، فأخذ بيد صاحب السحابة وأدخله معه إلى قصره، ثم مشى به في دهليز القصر، فلم يجد في طريقه إلا مملوكا واحدا، فسار به حتى انتهى إلى باب من جريد، وإذا به بناء مهدوم وحيطان مائلة، وبيت خرب فيه برش  وليس هناك ما يساوي عشرة دراهم إلا سجّادة خلقة. وقدح للوضوء وحصيرة رثة وشيء من الخوص  فانخلع الملك من ثياب الملك، ولبس مرقعة من صوف وجعل على رأسه قلنسوة من شعر، ثم جلس وأجلس صاحب السحابة، ونادى يا فلانة، قالت: لبيك. قال: أتدرين من هو الليلة ضيفنا؟ قالت: نعم صاحب السحابة، فدعا بها لحاجة، فخرجت، فإذا هي امرأة كالشن البالي  عليها مسح من شعر خشن  ، وهي شابة صغيرة، قال الرجل: فالتفت إلى الملك، وقال يا أخي نطلعك على حالنا، أو نقضي حاجتك وتنصرف.
فقلت: والله لقد شغلني حالكما عما جئت بسببه، فقال الملك: الله يعلم أنه كان لي في هذا الأمر آباء كرام صالحون يتوارثون المملكة كابرا عن كابر، فلما توفوا إلى رحمة الله تعالى، ووصل الأمر إليّ بغّص الله إليّ الدنيا وأهلها فأردت أن أسيح في الأرض  وأترك الناس ينظرون لهم من يسوس  أمرهم، فيملكونه عليهم، فخفت عليهم دخول الفتنة، وتضييع الدين، والشرائع، وتبديل شمل الدين فبايعوني وأنا والله كاره، فتركت أمورهم على ما كانت عليه، وجعلت السّماط على عادته، والحراس على حالها، والمماليك على دأبها، ولم أغيّر شيئا، وأقعدت المماليك على الأبواب بالسلاح إرهابا لأهل الشرور وردعا عن أهل الخير وتركت القصر مزينا على حاله وفتحت له بابا وهو الذي رأيته يوصلني إلى هذه الخربة، فأدخل فيها وأنزع ثياب الملك وألبس هذا، وأضفر الخوص وأبيعه، وأتقوت من ثمنه أنا وزوجتي هذه التي رأيتها هي ابنة عمي زهدت في الدنيا كزهدي واجتهدت حتى صارت كالشن البالي، والناس لا يعلمون ما نحن فيه ثم إني أقمت لي نائبا ينوب عني طول الجمعة، وعلمت أني مسؤول، فجعلت لي يوما في الجمعة أبرز للناس فيه وأكشف مظالمهم كما رأيت، وأنا على هذه الحالة مدة، فأقم عندنا يرحمك الله حتى نبيع خويصاتنا ونبتاع من ثمنها طعاما وتفطر معنا، وتبيت عندنا الليلة ثم تنصرف بحاجتك إن شاء الله تعالى.
فلما كان آخر النهار دخل علينا غلام خماسي العمر، فأخذ ما عملاه من خوص وسار به إلى السوق، فباعه واشترى من ثمنه خبزا وفولا واشترى بباقي ثمنه خوصا، فلما كان عند الغروب أفطرا وأفطرت معهما وبت عندهما. قال: فقاما في نصف الليل يصليان ويبكيان، فلما كان السحر قال الملك: اللهم إن عبدك هذا يطلب منك رد سحابته وإنك قد دللته علينا، اللهم ارددها عليه إنك على كل شيء قدير، والمرأة تؤمّن على دعائه، وإذا بالسحابة قد طلعت من قبل السماء فقال لي: لك البشارة بقضاء حاجتك وتعجيل إجابتك. قال: فودعتهما وانصرفت والسحابة معي كما كانت.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق